لبيئه السعوديه

البيئة السعودية.. والإدارة

د. سعد بن عبدالله السبتي
هل الثقافة السعودية (Culture) بمعناها الواسع الذي يشمل البيئة الاجتماعية، والعادات، والتربية، والتنشئة الاجتماعية، وغير ذلك لا تساعد على ممارسة وتطبيق الإدارة الحديثة؟ وما مدى تأثير ذلك إذا ما أدركنا أن الإدارة علم وفن قائم بذاته.
إن علم وفن الإدارة الحديثة يتطلب الإبداع والتطور المستمر، والمهنية والعلمية، واحترام العمل كقيمة اجتماعية ومهنية، بما في ذلك البعد عن تأثيرات العلاقات الاجتماعية والأسرية، وتأثيرات العاطفة، وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن السعودي كثيراً ما يغلب عاطفته في قرارات الإدارية وبشكل يتعارض مع الإدارة الحديثة، فما مدى تأثير ذلك على إنتاجية ومصلحة العمل؟
أعتقد ان الاجابة عن هذا تتطلب بحثاً علمياً موسعاً لكي تكون الإجابة وافية وعلمية، ولكن في هذا السياق يمكن القول ان المجتمع السعودي، تلعب فيه العلاقات الاجتماعية دوراً كبيراً ومؤثراً، وغالباً ما يجد المسؤول الإداري نفسه محاصراً بشبكة معقدة من العلاقات الأسرية والاجتماعية (والمصلحية) ربما يكون الفكاك منها أمراً ليس يسيراً، وينعكس ذلك سلباً على إنتاجية وكفاءة الجهاز والمنشأة الإدارية.
وفي مجتمعنا السعودي، نجد أن الثقافة المحلية ساهمت في جعل السعودي لا يطبق غالباً معيار الكفاءة والجدارة في تعيين واختيار مسؤولين إداريين لمهام إدارية عليا، كما أنه عاطفي، فالعاطفة، لها دور مؤثر في إسناد مواقع ومهام إدارية لأفراد لا يملكون مؤهلات وقدرات تتناسب مع هذه المواقع والمهام الإدارية، مما أثر سلباً على أداء وإنتاجية العمل سواءً كان ذلك الإداري غير المؤهل موظفاً عادياً أو مسؤولاً إدارياً كبيراً. إن مثل هذه الممارسات الإدارية السلبية تخلق مناخاً غير مهني وغير صحي مما يحول بيئة العمل إلى بيئة عمل غير منتجة بل وأحياناً طاردة لعدد من الكفاءات الإدارية التي تلجأ للاستقالة، أو للتقاعد المبكر، أو ربما الهجرة خارج البلاد.
وبنظرة موضوعية فإنني لا أتطلع إلى أن يكون المسؤول الإداري جامداً لا يتأثر ببئته وتنشئته الاجتماعية، ولكن يتوجب الحد منها وتقليل آثارها السلبية، فمثلاً في الدول الصناعية مثل اليابان، أو بريطانيا، نجد أن المسؤول الإداري لا يستطيع ترقية موظف غير جدير وغير مؤهل وإسناده مهام إدارية لمجرد الإرتياح إليه فقط، أو بسبب "الواسطة"، حيث ان صلاحياته الإدارية محدودة، كما ان هناك نظاماً إدارياً سوف يسائله ويمنعه من ذلك ولا ريب أن البيئة الاجتماعية تؤثر على شخصية الإنسان وسلوكه وتقييمه للعمل ونمط تفكيره بما في ذلك أدائه الإداري وقراراته الإدارية ومدى نظرته، وتبرز هنا أهمية توفر انظمة إدارية واضحة وقوة إدارية تطبق ذلك بشكل عملي وعلمي لكي تحد من تأثيرات العلاقات الاجتماعية والمحسوبيات.
ونلاحظ احياناً انه في حالة تعيين مسؤول إداري كبير انه يجلب معه عدداً من الموظفين، ويبعد او يفصل مجموعة أخرى من الإداريين.
وبالمقارنة ففي اليابان غالباً ما يحضر معه المسؤول الإداري سكرتيره الشخصي فقط، ويركز بعد ذلك على تطوير العمل الإداري، وتحسين وتحديث الأنظمة الإدارية، بما في ذلك تطوير الموظفين والإداريين المتواجدين في الجهاز الإداري، والذين يبدون تعاوناً ورغبة في التطوير، وذلك للاستفادة منهم نظراً لخبراتهم وخدماتهم السابقة، وليس إبعادهم أو تهميشهم، أي يكون العمل مؤسسياً ويبتعد عن الشخصنة، فالمسؤول الجديد يأتي ليكمل البنيان واستمراريته في العملية التطويرية دون نسف أو تدمير أو انقاص من حق السابقين أو المتواجدين.
وخلاصة القول، إن "ثقافة" البيئة الاجتماعية السعودية لها تأثير سلبي على ممارسة الإدارة الحديثة، ويتوجب الحد من آثارها السلبية بوضع انظمة إدارية صارمة، وقوة إدارية تطبق هذه الأنظمة للحد من أضرارها، ووضع قيمة مهنية واجتماعية عالية للعمل، والدين الحنيف يحثنا على إتقان العمل واحترامه. وأتمنى من الجهات الأكاديمية عمل بحث أو دراسة موسعة توضح تأثيرات البيئة السعودية على ممارسة وتطبيق الإدارة الحديثة في المملكة.

شكررررررا

العفو